تظهر بعض المهن في المغرب لمواسم معينة، فما تلبث أن تختفي بانقضاء الموسم، فهناك مهن ترتبط بعيد الأضحى ولا يمكن أن تجدها في غير موسم عيد الأضحى، وهناك مهن مرتبطة بشهر رمضان المبارك فقط دون غيره من الأشهر، ومهن تتناسل في الصيف خصوصا.. وما إن ينصرم شهر الحرارة، حتى تذوب تلك المهن وتختفي بالمرة إلى أن يحل الموسم الجديد في العام المقبل.
فما هي أبرز هذه المهن الموسمية بالمغرب؟ وكيف يستعد أصحابها وما مصيرهم بعد انتهاء الموسم؟
مهن الصيف أطولها عمرا
تكثر المهن الموسمية بالمغرب وتتنوع خلال فصل الصيف خاصة، حيث يمارسها الأطفال والشباب والرجال وحتى النساء، وهي كثيرة جدا غير أن أهمها هي:
بيع المثلجات والواقيات الشمسية
صيف القيظ لا ينفع معه سوى التلذذ بالمثلجات والحلويات الباردة، لهذا تزدهر مهنة بيع المثلجات بكثرة في أشهر الصيف سيما في شهري يوليو وأغسطس، ويزداد الإقبال عليها خاصة من لدن الأطفال.
ولا يخفي أحد باعة المثلجات وحلويات "الآيسكريم" أنه يحقق مبيعات عالية جدا خلال أشهر الصيف الثلاثة. والباعة ينقسمون إلى باعة ثابتين وآخرين متجولين حركيين، فالثابتون يتخذون لأنفسهم دكاكين ومحلات صغيرة لبيع قطع المثلجات المغرية بالأكل، فلا يكلفون أنفسهم عناء التحرك بمثلجاتهم فوق عرباتهم أو دراجاتهم أو أية وسيلة نقل أخرى، والباعة الآخرون خاصة الأطفال والشباب يتحركون في نقط البيع التي تعرف ازدحاما في الأحياء أو الشواطئ الآهلة بالمصطافين، وفي هذه الأماكن تعرف المثلجات إقبالا كبيرا عليها.
وهناك مهنة بيع الواقيات الشمسية وهي مهنة موسمية يلجأ إليها بعض الشباب في المدن الساحلية بالمغرب مثل الرباط والدار البيضاء وأغادير وغيرها، وتنفع الواقيات الشمسية في وقاية الجسد خاصة الرأس من ضربات الشمس الخطيرة في هذا الفصل الحار، ويستعملها مرتادو الشواطئ والمسابح بكثرة، لهذا تعد مهنة مدرة للمال في هذا موسم الصيف.
وبعد انقضاء الصيف يقل بيع المثلجات بشكل بارز، وأيضا بيع الواقيات الشمسية، فيضطر الشباب الذي امتهنها إلى التفكير في مهن موسمية أخرى ترتبط بالفصل الذي يلي فصل الصيف، فصل الخريف والشتاء حيث يهيمن الطقس البارد.
المرشد السياحي
تكثر هذه المهنة في فصل الصيف خصوصا بسبب ازدياد عدد السياح وتوافدهم على المغرب الذي يعد وجهة سياحية مميزة عند الكثيرين في أوروبا وأمريكا، ويتناسل كثير من المرشدين الرسميين وحتى المرشدين المزورين الذي يشتغلون خلسة دون موافقة قانونية. ويستغل الشباب المتعلم لبعض اللغات مثل الفرنسية والانجليزية فصل الصيف ليحاول استقطاب بعض السياح، فيرافقهم إلى الأماكن التاريخية والمنشآت السياحية قصد الحصول على بعض المال جراء خدمته لهم، لكن ما إن ينقضي الصيف ويرجع السياح إلى بلدانهم حتى يجد المرشد السياحي صعوبة في التقاط رزقه لأن مورده المالي قد غادر البلاد إلى موسم قادم.
حراسة السيارات!
يختار بعض الشباب حتى المتعلم منه مهنة حراسة السيارات بالمغرب إبان فصل الصيف نظرا لتوافد السياح على المدن السياحية بنسبة كبيرة.
"فاروق" شاب يحرس السيارات بمدينة الرباط، يعتبر أن فصل الصيف بالنسبة له يمنحه فرصة مزاولة مهنة حراسة سيارات السياح الأجانب أو سيارات المغاربة المقيمين بأوروبا وأمريكا الذين يأتون لقضاء عطلة الصيف ببلدهم مع عائلاتهم وأسرهم، فتنتعش هذه المهنة كثيرا، لكن ـ يقول هذا الحارس ـ ما إن ينتهي الصيف حتى يعود آلاف المهاجرين المغاربة إلى وظائفهم في الدول الأوربية. وهذا يعني أن أكثر من نصف مليون سيارة غادرت البلاد، وبذلك فقد عدد كبير من حراس السيارات مهنتهم المؤقتة.
بيع الكتاكيت!
تنتشر مهنة للأطفال الصغار في الصيف أيضا، حيث يقوم الصغار ببيع الكتاكيت التي يطليها الفتية بالألوان الزاهية، فتصبح كتاكيت ملونة، يقبل عليها الأطفال بقوة لشرائها بأثمان رخيصة جدا. ويساوي الكتكوت الواحد درهما مغربيا. ويتحدث نصر الدين الطفل الصغير أنه يبيع الكتاكيت الملونة لجمع النقود لمصروف الجيب، أو لتوفير بعض المال البسيط لاقتناء الكتب والدفاتر المدرسية للسنة الدراسية التي تبدأ مباشرة بعد انصرام عطلة الصيف.
كما تنتشر مهنة موسمية أخرى عبارة عن بيع التين الشوكي (كرموص النصارى في اللغة المحلية)، وهذه الفاكهة تعد أشهر بضاعة صيفية في المغرب، وتزدهر تجارتها في كل المدن والأرياف، ويقبل عليها المغاربة بفضل مذاقها الطيب وقدرتها على الإشباع من الجوع.. غير أن شابا بدويا يبيع التين الشوكي في الصيف فقط يقول إنه يحمل داخله هَم انقضاء الصيف، ذلك أنه يعود مباشرة إلى بطالته التي لا تنقذها إلا مهنة بيع فاكهة التين المنتشرة بالصيف.
مهن موسم رمضان
شهر رمضان فرصة لازدهار كثير من المهن الموسمية، وللشباب العاطل للحصول على المال طيلة الشهر الكريم، حيث يعرف هذا الشهر بالذات حركة تجارية دؤوبة، خاصة بيع الحلويات (الشباكية والبريوات) وأيضا بيع الفطائر والمعجنات (البغرير والرغائف) خاصة لدى النساء.
وتتحول كثير من المحلات والدكاكين في شهر رمضان إلى ورشات صنع الحلويات وما لذ وطاب من الحلوى وبيعها للصائمين، و"توفر مثل هذه المهن فرص عمل عديدة وثمينة للمئات من العاطلين، ما دامت أنها توفر لصاحبها، وللمشتغلين بها، دخلا معقولا، رغم أنها مؤقتة أو موسمية، وهذا ما دفع بالبعض الآخر، لترك مهنته الدائمة، للعمل في مهن رمضانية كهذه، موفرا لنفسه دخلا أفضل مما كان يجنيه من مهنته القارة، لأسابيع طويلة".
يقول العم الحسين، أحد الباعة الموسميين في شهر رمضان، إن حلول شهر رمضان فرصة لا تعوض لأنه شهر الرواج التجاري بامتياز، والقدرة الاستهلاكية ترتفع في هذا الشهر عند المستهلك، فتكون مهنة بيع المنتجات الرمضانية مناسبة للحصول على دخل جيد، لا يمكنني أن أناله في مهنة عادية أخرى، وبعد انصرام رمضان، أعود لأبحث عن مهنة موسمية أخرى وهكذا..".
السفر إلى أمريكا.. مهنة أيضا!
يقبل كثير من الشباب المغربي على قرعة "أمريكا" التي تفتح منافذ الهجرة إلى أمريكا والإقامة فيها، وتكون هذه القرعة مرتين في السنة مفتوحة أمام الشباب المغربي الذي يجد فيها منافذ جديدة مفتوحة للعمل خارج المغرب بشروط كريمة. ويمتهن بعض الشباب في هذه المناسبة بيع أوراق تعبئة القرعة وشروطها وإرسالها للمصالح الأمريكية هناك، وتنتعش مهن موسمية بالمكتبات والوراقات وأيضا بنوادي الإنترنيت التي يختص أفرادها في ملء البيانات بموقع القرعة في الشبكة بثمن يبتدئ بـ 15 درهم. حتى استوديوهات التصوير، ومحلات إصلاح الهواتف النقالة، وبيع أجهزة اليكترونية لم يتردد أصحابها في إشهار إعلان « هنا قرعة أمريكا 2007-2008».
وما إن تنصرم مناسبة قرعة أمريكا حتى تعود محلات التصوير ومخادع الهاتف ونوادي الانترنت والمكتبات إلى سابق عهدها، ومن اختص بملء مطبوعات قرعة أمريكا فإنه يفقد ما كان يحصل عليه من مال نظير التعبئة والقيام بالخطوات الإجرائية لطبع وإرسال الأوراق، وينتظر قرعة أخرى.